الآراء الفقهية في المعاملات المالية للإمام عبد الرحمن بن القاسم من خلال كتاب : النوادر و الزيادات لابن أبي زيد القيرواني و تطبيقاتها المعاصرة كتاب البيوع نموذجا-دراسة تحليلية تأصيلية

Abstract

لقد كان الفقه الإسلامي في مختلف عصور تطوره من أقوى العوامل وأمتن الأسس في تكوين حضارة الأمة، وبناء مجدها، واتساع رقعتها، وانضواء الأمم والشعوب تحت سلطانها، فهو فقه مستمد من أصل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، إذ يشرع الحق ويتولى صيانته، ويقيم العدل ويدعو إلى تحكيمه، ويلائم الفطر السليمة، ويساير التطور، وينظم شؤون الحياة والعلاقات الاجتماعية بين الناس، ويعصم المجتمع من التردي والضياع، ويمسك بالأصول الثابتة والقواعد العامة. وإن من فضل الله تعالى على هذه الأمة أن قيض لها نخبة من العلماء والفقهاء نذروا أنفسهم لخدمة هذا الدين الحنيف، فكانوا المرجع في فهمه، وعليهم المدار في استفادة أحكامه المستنبطة من أصوله. فقاموا بتذليل طرق الفقه، وبينوا فصوله وأبوابه، وشرحوا مسائله، ويسروا موارده لطالبه بعد جمعه وتدوينه، عملا به وتبليغا له. ومما لا ينازع فيه عاقل أن التعريف بهؤلاء الأعلام ودراسة ما خلفوه لنا من رصيد فقهي عظيم أمر من الأهمية بمكان لكل من أراد أن يطالع جانبا من جوانب هذه التركة العلمية الهائلة. ولما كان هذا الأمر من المهمات لاح لي أن أتناول بالدراسة واحدا من هؤلاء الأعلام، وأن أجمع آراءه الفقهية في باب البيوع، ثم دراسة ما تم جمعه من مادة علمية وتحليلها تحليلا محكما، ليكون بحثا علميا لتحصيل درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية. وقد وقع اختياري بعد استشارة بعض أساتذتي الأفاضل ، على علَم من أعلام المذهب المالكي وأحد كبار أصحاب مؤسس المذهب ، ذلك هو الإمام هو عبد الرحمن بن القاسم؛ الذي يعتبر من أبرز تلامذة إمام المذهب الذين كانت لهم آراؤهم الاجتهادية معتبرة في المذهب، وتلقاها الأتباع بالقبول، ومن أكبر تلاميذ الإمام مالك علما وعملا، بلغ مرتبة الاجتهاد على أصح الأقوال. ومكانته داخل المذهب معلومة ومعروفة لكل مهتم بالمذهب المالكي، كيف لا وهو أحد الذين رووا المدونة عن مالك، إذ ليس في المذهب المالكي كتاب نال من الاهتمام والتقدير ما نالته مدونة مالك - أو المدونة برواية سحنون- سواء على ألسنة المتقدمين أو المتأخرين، فهي أصل علم المالكية بعد الموطأ. ولما كانت الآراء الفقهية الصادرة عن ابن القاسم متفرقة في كتب المذهب وأمهات دواوينه، وكان من أهم الكتب التي تضمنت آراءه متفرقة في ثنايا الكتاب، هو كتاب: "النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات" لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني، الذي يعتبر أهم كتاب في المذهب، جمع نوادر فروع الفقه المالكي من أمهات كتب المذهب كما يوحي عنوان الكتاب بذلك. ولما كان كتاب النوادر والزيادات كتابا جامعا لنوادر المسائل الفقهية، وكانت الآراء الصادرة عن ابن القاسم تشمل جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وتوثيقات وحدود... وغيرها، فإني اقتصرت على دراسة آرائه الفقهية واجتهاداته العلمية في باب المعاملات المالية وخاصة كتاب البيوع، فجاء البحث موسوما بـــ : "الآراء الفقهية في المعاملات المالية للإمام عبد الرحمن بن القاسم من خلال كتاب "النوادر والزيادات" لابن أبي زيد القيرواني وتطبيقاتها المعاصرة( كتاب البيوع نموذجا)- دراسة تحليلية تأصيلية