قضية النبوة في الفكر الكلامي عند علماء الغرب الإسلامي دراسة تحليلية

DSpace/Manakin Repository

Aide Aide Aide

Nos fils RSS

Toubkal : Le Catalogue National des Thèses et Mémoires

قضية النبوة في الفكر الكلامي عند علماء الغرب الإسلامي دراسة تحليلية

Show full item record


Title: قضية النبوة في الفكر الكلامي عند علماء الغرب الإسلامي دراسة تحليلية
Author: الزفزوفي, رشيد
Abstract: إن الموضوع الذي اشتغلنا عليه طيلة هذه المدة الزمنية يندرج ضمن مجال العقيدة، فموضوع النبوات هو مسألة إيمانية محضة ، ويحتل مكانة بارزة وأساسية داخل مجال العقيدة ، إذ لا يُعتبر إيمان المسلم صحيحا إلا إذا آمن بكل الأنبياء والرسل الذين بُعثوا في الديانات الثلاث ، أما أهميته في سياق المنظومة الكلامية فإنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث ترتيب أصول الدين ، بعد الألوهية، هذا من جهة ومن ناحية ثانية فإن هذا الموضوع له أهميته الخاصة في الديانات الثلاث، على اعتبار أن النبوة هي ركن أساسي لكل دين سماوي ولا غنى عنها لمن يريد أن يسلك طريق الإيمان الصحيح، ثم إن موضوع النبوة هو موضوع عام أو مسألة عامة لا تختص بشعب دون آخر أو مرحلة زمنية دون أخرى، فقد ظهر أناس كثيرون ادعوا القدرة على التنبؤ والاتصال بالعالم الآخر، فكما عَرف تاريخ الأديان ظهور أنبياء حقيقيون مبعوثون من قبل الله إلى أقوامهم، عرف أيضا متنبئون كذابون ادعوا النبوة ولا علاقة لهم بها. وقد اخترت أن أعالج موضوع النبوات من زاوية كلامية، وحددت منطقة الغرب الإسلامي نظرا لقلة الدراسات والأبحاث حول مجال علم الكلام، وذلك من خلال التركيز على بعض العلماء الأعلام الذين اشتغلوا على قضايا كلامية في مصنفاتهم، ولكن لا يعرفهم الناس إلا من الناحية الفقهية أو السياسية، فرمت التعريف بهم وبجهودهم في هذا المجال . وقد وجدت الفرصة مناسبة للبحث عن تاريخ دخول علم الكلام إلى هذه الرقعة الجغرافية من العالم الإسلامي ونشوء الأبحاث في هذا الصدد. إن الحديث عن موضوع النبوة في الحقل الكلامي الإسلامي، باعتباره إحدى القضايا الدينية من جهة وباعتباره أحد الأسس والأركان الرئيسة لكل دين سماوي من جهة أخرى، اقتضى مني في البداية تسليط الضوء بكيفية موجزة عن تاريخ نشوء الأبحاث في هذا المجال، وكيف ظهرت بوادر التفكير الكلامي في هذا الموضوع العقائدي وكيف تطورت مراحله . إن نشوء الأبحاث الكلامية في الإسلام ذات الصلة بمجال النبوات حسب ما وقفت عليه، تكمن في كون البذور الأولى لهذا العلم ترجع إلى أصول شيعية، ذلك أن البحث العقائدي المتعلق بالنبوة قد ظهر عند الشيعة، التي ادعى غلاتها القول باستمرار النبوة، وقاسوا الإمامة على النبوة فتعلق بحث النبوة بتأسيس الإمامة. والملفت للانتباه في هذا الموضوع هو أن الإمامة عند الشيعة، تحولت من مسألة دينية سياسية مرتبطة بتدبير أحوال المسلمين إلى أصل من أصول الدين بحيث لا يصح الإيمان إلا بها حسب زعمهم. ومن جانب آخر يمكن أن نعتبر أن مسألة الإمامة أو الخلافة ومن الأحق بها، وما تلا ذلك من نقاش وجدل ساخن بين المسلمين، كانت إحدى الأسباب التي لا ينبغي التقليل من أهميتها في بلورة هذا الموضوع وظهور الأبحاث حوله، لا سيما مع مفكري المدرسة الاعتزالية والأشعرية في المشرق الإسلامي، ويمكن أن نضيف أسبابا أخرى أعتبرها أساسية وموضوعية ارتبطت بالإسلام وبطبيعة دعوته. فالقرآن الكريم كما هو معلوم، كما دعا إلى إقرار التوحيد والإقرار بالنبوة، تعرض كذلك للحديث عن أهم الملل والديانات التي كانت معروفة ومتبعة آنذاك، فتحدث عن أقوام وأناس أنكروا الأديان وأنكروا البعث والنبوات، وعن أناس اعتبروا الكواكب آلهة واعتبروا عيسى عليه السلام إلها، وأنكروا بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، بل أنكروا النبوات ككل وقالوا ا كما حكى عنهم القرآن ﴿ أبعث الله بشرا رسولا ﴾ .، إلى غير ذلك من المواضيع التي عرض لها القرآن الكريم، فرد عليهم جميعا بالحجة البالغة والدليل القوي، ومن هنا لجأ علماء الإسلام إلى التصدي للرد على المخالفين لهم في العقيدة بالحجة والمنطق والدليل العقلي والنقلي. هذا عن تاريخ نشوء البحث الكلامي والعقائدي حول النبوة بالمشرق الإسلامي، أما بلاد الأندلس فلم تكن هي الأخرى بمنأى عما كان يحدث في المشرق، فعلى الرغم من البعد الجغرافي بينهما إلا أن صلة أهل الأندلس بإخوانهم المشارقة والمغاربة كانت وثيقة جدا، فالحياة الثقافية والفكرية والحضارية كانت وجها واحدا من وجوه الثقافة والحضارة العربية الإسلامية، فالأندلس في أيام مجدها وعزها أصبحت هي الأخرى مركزا ثقافيا ومنارة علمية تضاهي مدن وحاضر بغداد والشام، فحلقة العلم والمعرفة بين الغرب الإسلامي والمشرق لم تنقطع، فعلماء الأندلس كانوا دائمي الصلة بإخوانهم المشارقة لا سيما في مواسم الحج، فحركة التأليف والتطور الثقافي في الأندلس كانت مواكبة لما يحدث في المشرق. وقد كان اهتمام علماء الأندلس بعلم الكلام والعقائد لا يقل أهمية عن بقية العلوم الأخرى، كالسيرة النبوية والمغازي والشمائل والتاريخ والفقه.... وغير ذلك، سواء تعلق هذا الاهتمام برواية الكتب المشرقية وتداولها ودراستها والتعليق عليها، مثل" أعلام النبوة" لأبي داود السجستاني "ودلائل النبوة" لأبي ذر الهروي أو السيرة والمغازي لابن إسحاق، أو مغازي الواقدي أو كتب التفسير وغير ذلك ، لكن مع مرور الوقت اكتفى علماء الأندلس بما وصل إليهم من المصنفات المشرقية، وكتبوا مؤلفاتهم الخاصة التي اهتمت بمختلف العلوم والفنون. لكن الذي يعنينا من ذلك كله هو موضوع النبوات داخل منظومتهم الكلامية ومؤلفاتهم العقدية. إذن بناء على هذه المعطيات جاء عنوان البحث كالتالي: "قضية النبوة في الفكر الكلامي عند علماء الغرب الإسلامي" دراسة تحليلية المحاور الرئيسية للبحث: وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة وبابين كبيرين وستة فصول وخاتمة الباب الأول: علم الكلام بالغرب الإسلامي وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول: تعريفه، أهميته، نشأته، وتطوره الفصل الثاني: الحركة العقدية بالغرب الإسلامي الفصل الثالث: دخول الأشعرية إلى المغرب والأندلس الباب الثاني: النبوة في المصنفات العقدية والاستدلالية الفصل الأول: النبوة في التجربة الكلامية لعلماء المغرب الأقصى الفصل الثاني: مباحث النبوة في النسق الكلامي الأندلسي والمغرب الأوسط الفصل الثالث: مستقبل البحث في مجال الكلاميات خاتمة أما المقدمة فقد اشتملت على العناصر التالية: أولا: بيان أهمية الموضوع ودوافع اختياره حيث ذكرت أن الموضوع الذي اشتغل عليه له فائدة وأهمية لا تنكر، ذلك أن موضوع النبوات هو مسألة إيمانية محضة ، ويحتل مكانة بارزة وأساسية داخل مجال العقيدة ، إذ لا يُعتبر إيمان المسلم صحيحا إلا إذا آمن بكل الأنبياء والرسل الذين بُعثوا في الديانات الثلاث ، أما أهميته في سياق المنظومة الكلامية فإنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث ترتيب أصول الدين ، بعد الألوهية، هذا من جهة ومن ناحية ثانية فإن هذا الموضوع له أهميته الخاصة في الديانات الثلاث، على اعتبار أن النبوة هي ركن أساسي لكل دين سماوي ولا غنى عنها لمن يريد أن يسلك طريق الإيمان الصحيح، ثم إن موضوع النبوة هو موضوع عام أو مسألة عامة لا تختص بشعب دون آخر أو مرحلة زمنية دون أخرى، فقد ظهر أناس كثيرون ادعوا القدرة على التنبؤ والاتصال بالعالم الآخر، فكما عَرف تاريخ الأديان ظهور أنبياء حقيقيون مبعوثون من قبل الله إلى أقوامهم، عرف أيضا متنبئون كذابون ادعوا النبوة ولا علاقة لهم بها. ومن بين الأسباب التي دفعتني إلى الاشتغال على هذا الموضوع هو قلة الأبحاث والدراسات حول علم الكلام بهذه بمنطقة الغرب الإسلامي، ثم وجود علماء أعلام من العدوة الإفريقية ونقصد بها المغرب والجزائر، اشتغلوا على قضايا كلامية في مصنفاتهم العقدية، لكنهم ظلوا مغمورين ولا يعرفهم الناس إلا من الناحية السياسية، فارتأيت أنه من واجبي الاشتغال عليهم، من خلال التعريف بهم وبمكانتهم العلمية وذكر جهودهم في مجال العقائد، خصوصا مجال النبوة ، دون إغفال لعلماء العدوة الأندلسية. ثانيا: الدراسات السابقة حول الموضوع حيث ذكرت أن من بين تلك الدراسات، توجد دراسة من بين مجموعة من الدراسات حول المهدي بن تومرت، قام بها الأستاذ عبد المجيد النجار، كما يوجد بحث بعنوان " تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي " للأستاذ يوسف احنانة ،... إلى غير ذلك. ثالثا: إشكالية البحث أما إشكالية البحث فقد ارتكزت على بيان المنهجية التي قارب بها علماء الكلام المعتمدين في البحث موضوع النبوات. رابعا: أهداف البحث يمكن إجمال بعض منها في النقط التالية: - تحديد تاريخ دخول علم الكلام إلى الغرب الإسلامي. - رصد واقع هذا العلم وبيان منزلته بين باقي العلوم الدينية والجدلية الأخرى. - الكشف عن علماء شكلوا حلقة وصل بين بلاد المغرب الكبير وبلاد المشرق على مستوى نقل العلوم والمعارف والمصنفات. - التعريف ببعض العلماء الأعلام الذين تبنوا مناهج معينة في طرق تفكيرهم وعالجوا موضوع النبوات في ضوء هذه المناهج . - أما النبوة التي هي جوهر الموضوع فكان الهدف هو التعرف على المناهج التي اعتُمدت في إثباتها من قبل العلماء المعتمدين في هذه الدراسة . خامسا: خطة البحث ومنهجيته وقد اشتمل المدخل التمهيدي للبحث على التعريف بالنبوة لغة واصطلاحا، وبيان الفرق بين النبوة والرسالة، وخصائص أصحاب الرسالات السماوية. أما الباب الأول من البحث فقد تضمن الحديث عن علم الكلام بالغرب الإسلامي، وذلك من خلال التعريف به وبيان أهميته ونشأته وتطوره، فعلم الكلام يحتل مكانة هامة في التراث الفكري والفلسفي الإسلامي، ويعد من العلوم المبتدعة أو المستحدثة في الإسلام، وهو علم تدور مباحثه حول إثبات أصول الدين الإسلامي التي تشمل الألوهية والنبوة والإمامة والمعاد، بالأدلة التي تفيد اليقين، وترسخ مبدأ الاعتقاد الصحيح. وهو بلا شك علم ديني عقائدي بامتياز، سواء تعلق الأمر بموضوعه وهو أصول الدين، أو غايته وهي الدفاع عن هذه الأصول والعقائد، فإذا كانت الأصول الاعتقادية*، ثابتة بالقرآن والسنة، فإن مهمة علم الكلام تنحصر في الدفاع عن هذه الأصول بالأدلة العقلية المنطقية ، فيدخل في دائرته جميع هؤلاء الذين يتخذون النظر العقلي وسيلة لشرح هذه العقائد أو الدفاع عنها، من حيث أن مهمته تأسيس العقيدة الإسلامية على أسس عقلية برهانية. كما بينت أن علم الكلام لم يكن ليتكون دفعة واحدة ولكنه عرف تقلبات مختلفة كغيره من العلوم، ومرت عليه مراحل عديدة حتى تم نضجه وبلغ ذروته، مشيرا إلى أهم أعلامه الذين ساهموا في تأسيسه، وقد نبهت في ذات السياق إلى ذكر أهم التيارات العقدية ومدى تأثيرها في تشكيل وتطور مسائل علم الكلام، مكتفيا بذكر بعض منها وهي: الخوارج والشيعة، المعتزلة، المذاهب الفقهية. وقد شكل دخول العقيدة الأشعرية إلى المغرب والأندلس أواخر القرن الرابع الهجري، على يد أبي الحسن القابسي المتوفى سنة 403 هجرية، تحولا نوعيا على مستوى سيادة التفكير على النهج الأشعري، خصوصا أثناء مرحلة الترسيم في عهد بن تومرت، الذي ترجم المعتقد إلى سلوك في حياة الناس، كما حمل الناس على القول بالتأويل، والأخذ بالأشعرية في كافة العقائد. أما الباب الثاني من البحث فقد ضمنته النبوة في المصنفات العقدية والاستدلالية، واشتمل على ثلاثة فصول: الأول: النبوة في التجربة الكلامية لعلماء المغرب الأقصى، وأدرجت فيه محمد بن تومرت والقاضي عياض. أما محمد بن تومرت فعرفت به من خلال ترجمته وذكر أقوال العلماء فيه وبيان أشعريته، وحقيقة النبوة والإمامة في فكر بن تومرت. والواقع أن حديث بن تومرت عن النبوة والرسالة قد سلك فيه مسلك الأشاعرة، لكنه في نفس الوقت عارض الفلاسفة وأهل الاعتزال في منهجهم وطريقتهم. فالنبوة كما يراها بن تومرت أمر جائز وممكن، فالله عز وجل قدر في أزليته أنه سيبعث رسولا إلى قوم من عبيده في زمن قدره وعلمه، وأنه يُظهر أحكاما وشرائع على يديه، كما تحدث عن المعجزة والإمامة بشكل مطول في عدد من كتبه ورسائله، أما المعجزة فهو مقتنع أن معرفة النبوة والتحقق من وجودها، هو أمر مرتبط أشد الارتباط بظهور المعجزة على أيدي مدعي النبوة، فصحة النبوة وصدق مدعيها متوقف على جريان المعجزة وإظهارها للناس. - وأما الإمامة فقد تناولها من كل الجوانب تعريفا وحكما وترتيبا للأئمة، بل نجد أن المهدي قد بالغ حينما جعل نظام الكون وانتظامه يتوقف على مدى تحقق الإمامة وطاعة الإمام، وفيما يخص علاقة الإمامة بالنبوة، فإننا نلاحظ أن هذه الأخيرة لم تنل حظا وافرا من الاهتمام والأولوية، ولم يعتن بها كما اعتنى بموضوع الإمامة التي خصص لها مؤلفا كاملا سماه "كتاب الإمامة". أما المبحث الثاني من هذا الفصل فقد جعلته خاصا بالقاضي عياض، حيث درست أقواله حول النبوة والعصمة من خلال الشفا، فخلصت إلى أن القاضي عياض رحمه الله على الرغم من أنه كان يكره الخوض في علوم العقليات وفي مقدمتها علم الكلام، إلا أنه مع ذلك، احتاج إليه، احتياجا لما رام التعريف بحقوق المصطفى وكل ما يلازم النبوة والرسالة بشكل عام، وكشف الغطاء عن مكانه الأسنى ولفت الأنظار إلى مقامه الأعلى ومحله الأسمى. ويعتبر كتابه "الشفا" من أجل وأشهر كتب القاضي عياض رحمه الله في السيرة النبوية وأكثرها نفعا وفائدة. وبخصوص حديثه عن النبوة فإن الجزء الأول من الكتاب خصصه رحمه الله للحديث عن تعظيم الله عز وجل لقدر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، مشيرا في فصوله إلى مواطن المدح والثناء، وذكر محاسنه صلى الله عليه وسلم من قبل الباري عز وجل، ثم عقد فصولا أخرى في آخر الجزء، تحدث فيها عن عصمته ومعجزاته وكراماته ودلائل نبوته التي ختم بها جزءه الأول. أما الجزء الثاني فقد ضمنه القاضي عياض، رحمه الله حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم من تعظيم وتوقير وطاعة واتباع ومحبة، وبالمقابل لم يفت القاضي الإشارة إلى جزاء وعقوبة من سابه صلى الله عليه وسلم أو آذاه أو انتقصه، وختم بفصل يضم حكم من سب معظم الأنبياء. وقد اشتمل الفصل الثاني على مباحث النبوة في النسق الكلامي الأندلسي والمغرب الأوسط، وقد بينت في المبحث الأول منهج بن حزم الأندلسي في إثبات النبوة، التي جعلها أساسا بنى عليه كل دراساته النقدية والمقارنة، وهي ثابتة عنده وممكنة قبل بعثة الأنبياء عليهم السلام. فإذا كانت النبوة ثابتة عند ابن حزم قبل بعثة أي نبي، فإنها تصبح واجبة بعد بعثة الرسل وختم الرسالة، لأنها تحققت بالفعل ولا سبيل لإنكارها، أما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فهي مستحيلة وممتنعة، لأن النصوص أثبتت أنه خاتم المرسلين. أما الأدلة التي ساقها بن حزم للدلالة على حصول النبوات، فإنها تنبني على وجود الصناعات والحرف والعلوم، وأن الإنسان لا سبيل له لتعلم ذلك، فلابد من تعليم إلهي أولي، ولابد من أنبياء أوحى الله إليهم كيف يعلمون الناس ما فيه صلاح معاشهم ودنياهم، زيادة على الوظيفة الأساسية للنبوة، وهي هداية الناس إلى ربهم سبحانه. والملفت للانتباه عند بن حزم هو أنه خاض في موضوع لم يسبق أن ناقشه أحد من علماء الكلام بشكل مفصل حسب ما أعرف، وهو نبوة النساء، فالكثير من علماء العقيدة حينما يتناولون موضوع النبوات، فإن الذهن ينصرف إلى نبوة الرجال وليس النساء. وقد علق بن حزم على هذه المسألة، مؤكدا أن الذهن إذا انصرف إلى نبوة الرجال فهذا لا يعني أن النبوة لا تتحقق للنساء، فقد وجدت نساء خاطبهن الله تعالى عن طريق إرسال الملائكة إليهن، مثل مريم وأم إسحاق، وأم موسى عليهن السلام. وقد حاول ابن حزم أن يقدم لنا تحليلا منطقيا لتصرفات أم موسى تجاه ولدها بإلقاءه في اليم فيقول: "وبضرورة العقل يدري كل ذي تمييز صحيح أنها لو لم تكن واثقة بنبوة الله عز وجل لها، لكانت بإلقائها ولدها في اليم برؤيا تراها أو بما يقع في نفسها، أو قام في هاجسها في غاية الجنون، ولو فعل ذلك أحدنا لكان في غاية الفسق، أو في غاية الجنون ..، (الفصل في الملل والأهواء والنحل، ابن حزم، ص 187 ) ، وقد ألحق ابن حزم بهذا الصنف من النساء امرأة فرعون بناء على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يقول فيه: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون" ( - أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء وفضائل الصحابة، ومسلم في فضائل الصحابة ). وبهذا يكون ابن حزم قد أثبت أن النبوة تتحقق للنساء كما تتحقق للرجال، إلا أن نبوة النساء تختلف عن نبوة الرجال، فالله تعالى لم يرسل نساء نبيات ولكنه تعالى خاطبهن عن طريق الملائكة. فابن حزم رحمه الله شكل ظاهرة مذهبية، أسست معارفها على مسلمات يقينية، وكان يرفض القياس لاسيما في المجال الديني (الفقه وعلم الكلام)، لأنه كان يرى أن هذا الأمر من شأنه أن يلحق بالدين ما ليس منه أو ينسب إلى الباري تعالى ما لم يصدر عنه أو يقله. وقد جاء المبحث الثاني من هذا الفصل متضمنا النبوة عند الإمام محمد بن يوسف السنوسي من خلال عقائده، فقد أشار الإمام رحمه الله إلى موضوع النبوة في كل مؤلفاته المتعلقة بالعقيدة، وأطال فيها الكلام بشكل مفصل، لاسيما ما يتعلق بأخلاق الرسل والمعجزات، والنبوة عنده تدخل في سياق الأشياء الجائزة على الله عز وجل وهذا هو الاتجاه الذي سار عليه عموم الأشاعرة. وقد ذكر رحمه الله في كتابه: "العقيدة الوسطى وشرحها"، بابا سماه: "باب الدليل على ثبوت رسالة الرسل عليهم الصلاة والسلام عموما". فاستهل فيه الكلام بقوله: "النبوة هي كون الإنسان مبعوثا من الحق للخلق، والنبي إنسان بعثه الله تعالى لتبليغ ما أوحي إليه، وكذا الرسول، وقد يخص بمن له شريعة وكتاب فيكون أخص من النبي. والمعنى الذي يشير إليه السنوسي هو أن النبوة أعم من الرسالة، لأن الرسول له كتاب ومأمور بتبليغ الرسالة، أما النبي فدعوته عامة. ومما يثير الانتباه هو أن الإمام السنوسي وقف بشكل مطول عند صفات الرسل عليهم السلام، فذكر بأنه يجب في حقهم الأمانة والصدق وتبليغ ما أمروا بإبلاغه للخلق، ويستحيل في حقهم عليهم الصلاة والسلام أضداد هذه الصفات، وهي الكذب والخيانة بفعل شيء مما نهو عنه فهي تحريم أو كراهة، أو كتمان شيء مما أمروا بتبليغه للخلق. وبعد حديث مطول عن صفات الرسل، انتقل للحديث عن الأعراض البشرية التي حصلت للأنبياء، فذكر أنها حوادث لم يؤمر الأنبياء بتبليغها، ولا تؤثر على أداء رسالتهم، بل هي أشياء من صميم بشريتهم، وفائدتها تعظيم أجرهم عليهم الصلاة والسلام، وذلك كما في أمراضهم وجوعهم وإذاية الخلق لهم. والخلاصة هي أن السنوسي رحمه الله لم يخرج عما قرره العلماء في هذا الباب سواء ما يتعلق بصفات الرسل أو المعجزات أو الكرامات أو غير ذلك...، إلا أن الذي طبع مسيرته العلمية هو أنه بسط قواعد علم الكلام، وجعلها في متناول العامة. أما الفصل الأخير من هذا البحث فقد خصصته لتسليط الضوء على مستقبل البحث في علم الكلام، وذكر بعض الجهود الإصلاحية التجديدية لهذا العلم . فالكل يعلم أن علم الكلام كان خلال عهوده الأولى مضطلعا بالأدوار والمهام التي أنيطت به، لصيقا بحياة الناس ومشاكلهم، وهمومهم المعرفية، لكن هذا العلم ضل حبيس القضايا النظرية المجردة والبعيدة عن الواقع، الشيء الذي ولد ردود أفعال مطالبة بضرورة تجديد مناهج ومواضيع هذا العلم، وجعله قوي الصلة بالمشاكل والتحديات التي تعاني منها الأمة الإسلامية في الوقت الراهن. إن الوضع الذي آل إليه علم الكلام اليوم تتحكم فيه آليتان هما: - عزوف المتكلمين عن نهج القرآن الكريم في الاستدلال - شيوع التقليد والبعد عن الواقع، إضافة إلى النزعة النمطية لعلم الكلام القديم وقد تولد عن هذا الوضع المتردي الذي آل إليه علم الكلام ظهور مدارس إصلاحية وتيارات نادت بضرورة تجديد هذا العلم، وقد مثلنا لذلك بجهود محمد عبده ومالك بن نبي. إن دعوة محمد عبده التجديدية ارتكزت على جانبين هما: - تجديد مواضيع علم الكلام والبعد عن التقليد - تبسيط وتقريب مواضيعه للدارسين ولعل كتابه " رسالة في التوحيد " تكفي دليلا على ما نقول، أما المشروع التجديدي لمالك بن نبي حول علم الكلام فيرتكز على مسألة الإيمان أو " الفكرة الدينية " كما يسميه، حيث أبان رحمه الله عن اثر الإيمان في شخصية الإنسان، وعن دوره في بناء الحضارات أو سقوطها، وكذا دوره في تقوية الروابط الاجتماعية، الشيء الذي يبين لنا قدرة هذا الرجل على ربط مواضيع علم الكلام بالواقع المعيش. استنتاجات عامة حول البحث : - إن علم الكلام هو علم إسلامي جليل ، بل هو فلسفة إسلامية إن صح التعبير، وظيفته هي الدفاع عن عقيدة الإسلام بأدلة عقلية . - أن الموضوعات التي خاض فيها المتكلمون ليست التماسا للحق لأن ذلك من شأن الفلسفة، وإنما تقوية للمعتقد الإيماني بدليل عقلي . - لازالت الكتابات التي أرخت لتاريخ دخول علم الكلام إلى الغرب الإسلامي يكتنفها غموض شديد وشح في المعطيات . - لقد تبين لنا أن العلماء الذين تناولناهم في هذا البحث هم فئة قليلة جدا حاولنا التعريف بهم، مقارنة مع من لم يتيسر لنا دراستهم. - إن أية محاولة لتجديد علم الكلام لن تحقق النتائج المرجوة منها، إلا إذا رُبط هذا العلم بالوحي، وأجاب عن الإشكالات الحقيقية للمجتمع.
Date: 2014

Files in this item

Files Size Format View

There are no files associated with this item.

This item appears in the following Collection(s)

Show full item record

Search DSpace


Advanced Search

Browse

My Account